إن صلاح الدين لم يكن في بدايته سوى خامة من خامات جيل جديد، مرت في عملية تغيير غيرت ما بأنفس القوم من أفكار وتصورات وقيم وتقاليد وعادات انتقصت من إنسانية مسلم ذاك الزمان، واستبدالها بأفكار واتجاهات المؤمن الذي ارتقت غاياته وسمت رسالته، ثم بوأتهم أماكنهم التي تتناسب مع استعدادات كل فرد وقدراته النفسية والعقلية والجسدية، فانعكست آثار هذا التغيير على أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية وسددت ممارساتهم ووجهت نشاطاتهم. ولا شك أن الوقوف على تفاصيل هذا التغيير ومظاهره ومراحله التي جرت في المجتمع الإسلامي سواء في المرحلة التي مهدت للغزو الصليبي آنذاك، أو المرحلة التي هيأت الأمة لدفه هذا الغزو، يقدم الدرس المفيد في محنتنا التي تواجه إزاء عوامل الضعف التي تعمل في كياننا من داخل والأخطار التي تهددنا من خارج!!

وهذا هو ما استهدفته هذه الدراسة التحليلية للتاريخ بغية الإسهام في تبصير المسلمين وقياداتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية والتربوية للاستراتيجية الصائبة في حشد الطاقات وتؤهلهم لمواجهة التحديات. وزيادة في الفائدة توسعنا في هذه الطبعة (الخامسة لدار الفرقان) في القوانين التاريخية والتطبيقات المعاصرة لتساعد الأجيال الحاضرة على قراءة النواميس التي تواجه حياتنا والتحديات التي تواجهها.